Home » مدنٌ ذكية… أسلوب حياة ذكي: إرساء التوازن ما بين دمج التكنولوجيا في المجتمع والحفاظ على حياة حضرية مستدامة

مدنٌ ذكية… أسلوب حياة ذكي: إرساء التوازن ما بين دمج التكنولوجيا في المجتمع والحفاظ على حياة حضرية مستدامة

by Elhadary

المدن الذكية وأسلوب الحياة الحضري المستدام

في ظلّ عصرنا الحالي حيث نشهد توسّعاً حضرياً كبيراً وتقدّماً تكنولوجياً هائلاً في منطقتنا، لا بدّ لمفهوم المدن الذكية أن يتصدّر سلّم مقوّمات التنمية الحضرية المستدامة. ولا يختلف اثنان على أنّ الدول الخليجية تنمو بوتيرة مستمرة فتضعنا في وجه تحدٍّ متباين يطرح السؤال التالي: كيف يمكننا استيعاب العدد المتزايد من سكّان المناطق الحضرية مع الحفاظ على البيئة وتحسين جودة حياة مَن حولنا في آنٍ معاً؟ يكمن هذا السؤال في قلب مبادرة المدن الذكية، وهي مقاربةٌ ثورية تجمع ما بين التكنولوجيا والاستدامة لترسي مفهوماً جديداً للحياة الحضرية.

والجدير بالذكر أنّ مفهوم المدن الذكية لا يقتصر على دمج التكنولوجيا في النسيج الحضري فحسب، إنّما يقوم على إنشاء نُظمٍ بيئية أكثر استجابةً وكفاءةً واستدامة. ففي الواقع، تتخبّط مدن العالم في خضمّ مجموعة من المشاكل التي تعود بتأثيرٍ سلبي على جودة الحياة في المناطق الحضرية، وأبرزها الازدحام، والتلوّث، وسوء استخدام الموارد، وقصور الخدمات العامة، غير أنّ النماذج التقليدية للتنمية الحضرية لا تكفي لمعالجة هذه التحديّات على نحوٍ فعّال، ممّا يضعنا تحت الأمر الواقع ويرغمنا على إيجاد سُبلٍ جديدة تمكّننا من التوصّل إلى حلولٍ أكثر ابتكاراً واستدامةً.

مستقبل الحياة الحضرية

تتبّع دول الخليج نهجاً طموحاً وسابقاً لعصره في ما يخصّ مفهوم المدن الذكية يتخطّى حدود نماذج التنمية الحضرية التقليدية. ولا يقتصر مفهوم المدن الذكية على دمج التكنولوجيا في البنية التحتية فحسب، إنّما يرتبط أيضاً بإرساء التوازن ما بين الحلول الرقمية المتقدّمة والالتزام الراسخ بحماية البيئة. ومن شأن هذا التوازن أن يجسّد رؤية شاملة تتوافق مع تراث المنطقة وتطلعاتها لبناء مستقبل مستدام، وذلك في ظلّ زمنٍ يشارف فيه العالم أكثر فأكثر على بلوغ النقطة الفاصلة.

تعرّف على المدينة الذكية، فهي عبارة عن مساحة حضرية تعتمد على التكنولوجيا الرقمية، لاسيّما إنترنت الأشياء (IoT) والذكاء الاصطناعي (AI) والبيانات الضخمة من أجل تحسين العمليات في المدينة، وإدارة مواردها بكفاءة أكبر وجعلها أكثر قابلية لعيش الإنسان. يتمحور مفهوم المدن الذكية حول تسخير التكنولوجيا لتعزيز وظائف أنظمتنا الحضرية، بدءاً من وسائل النقل ومحطات توليد الطاقة مروراً بإدارة النفايات وإمدادات المياه، وصولاً إلى قطاع البيع بالتجزئة، ما يضمن قدرتها على دعم النمو السكاني بشكل مستدام، مع توفير شبكة من الأجهزة المترابطة التي تتيح التواصل وتبادل البيانات. بفضل هذا الترابط، يمكن مراقبة البنية التحتية الحضرية وإدارتها في الوقت الفعلي. على سبيل المثال، قد تُعتمد أنظمة إضاءة الشوارع الذكية المزوّدة بأجهزة استشعار إنترنت الأشياء والتي تستطيع ضبط سطوع الضوء بناءً على حركة المشاة أو المركبات، مما يقلّل بشكل ملحوظ من استهلاك الطاقة مع مرور الوقت. ويجوز اتّخاذ برشلونة بإسبانيا مثالاً رئيسياً على استخدام تكنولوجيا إنترنت الأشياء بفعالية من أجل تحسين إدارة النفايات، إذ لجأت المدينة إلى استخدام سلال ذكية للنفايات تطلق إشارة عند امتلائها، مما يسهم في تحسين طرق جمع النفايات ووتيرة جمعها. من جهةٍ أخرى، شهدنا على المساعي التي قامت بها شركات رائدة في مجال الاستدامة من أجل تطبيق مثل هذه الأنظمة الصديقة للبيئة في منطقتنا، على غرار مجموعة بيئة التي تتخذ الشارقة مقراً لها، وشركة دسلكو ومقرّها دبي في الإمارات العربية المتحدة. عادت هذه الأنظمة بفوائد حضرية ومجتمعية كبيرة على المنطقة بحيث تسهم في تحقيق هدفَي صفر نفايات وصفر انبعاثات الغازات الدفيئة في دولة الإمارات العربية المتحدة بحلول العام 2050. في الحقيقة، أصبحت الشارقة الآن في طريقها لتغدو أوّل مدينة تحقق هدف صفر نفايات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هذا وتشهد الدول تحوّلات عدّة تبيّن الفرص الكبيرة التي توفرها المبادرات الحكومية، مثل تلك التي أطلقتها دولة الإمارات العربية المتحدة. كما تكثر الفرص التي يمكن لروّاد القطاع الخاص الاستفادة منها لسدّ الفجوة الموجودة بين إصلاحات البنية التحتية والمتطلبات الحياتية البسيطة في المدن الذكية.

لذلك، يُعتبر دمج التكنولوجيا بمختلف أشكالها في التخطيط الحضري، حتّى الإيصالات الرقمية منها، بمثابة فرصة فريدة لنا للتخفيف من آثار ممارساتنا على البيئة وتمهيد الطريق نحو مستقبل مستدام. ومن خلال تحسين استهلاكنا للموارد، وخفض نسبة الانبعاثات الكربونية، وتعزيز الممارسات الصديقة للبيئة، تصبح المدن الذكية قادرة على دعم أجندة الاستدامة العالمية، وتوفير حلول عملية لتحدّيات التحضّر التي نواجهها، فيما تحقّق التوازن ما بين النمو والتنمية مع الحفاظ على البيئة ومواردها.

يُعتبر هذا الموضوع نقطة تحوّل إيجابية على الصعيد العالمي، وكان محطّ التركيز في كلّ مؤتمر أقيم حول العالم على مدى سنوات، ولكنّ مبادرة التحوّل إلى المدن الذكية لا تقتصر على دمج التكنولوجيا في حياتنا اليومية فحسب، لا بل تستلزم تغيير كيفية إدارتنا لمدننا، وكيفية تفاعلنا مع البيئة الحضرية من حولنا. وتتطلّب نهجاً شاملاً يضمّ البنية التحتية المادية والنسيج الرقمي والاجتماعي والسلوكي في مدننا، كما تستلزم دعماً حقيقياً وإعادة تدريب وتثقيف بهذا الشأن. وفي إطار هذا المخطّط المتوسّع، تؤدّي الإيصالات الرقمية دوراً جوهرياً باعتبارها إحدى الطرق التي تجتمع فيها التكنولوجيا مع الاستدامة في سياق الحياة الحضرية. كما توفّر منصّةً رقميّة تمكّن المدن من تقليل نسبة استهلاك النفايات الورقية الناتجة عن الإيصالات غير الضرورية، من دون أن ننسى ما تحويه من سمومٍ، كما تسهّل العمليات الإدارية وتضمن التواصل والتعاون السلس بين أصحاب المصلحة. في نهاية المطاف، تعود هذه المعادلة بالفائدة على مختلف الأطراف.

اتّخاذ القرارات بناءً على البيانات: العمود الفقري للنظم البيئية الحضرية المتجاوبة والمرنة

كثيرةٌ هي الأمور التي ساهمت في نجاح المدن الذكية، وأبرزها قدرتها على اتّخاذ القرارات بناءً على البيانات، ممّا يضمن تمتّع الإدارة الحضرية بالمرونة وسرعة الاستجابة. وتعمد إلى تسخير البيانات في الوقت الفعلي، ما يمكّنها من الاستجابة بسرعة للقضايا العاجلة، مثل حوادث المرور أو المخاطر البيئية، فضلاً عن تكييف خدماتها بما يلبّي الاحتياجات المتطوّرة. تقوم هذه المدن الذكية أيضاً على تحليلات الذكاء الاصطناعي ممّا يتيح لها توقّع التحدّيات التي قد تواجهها في المستقبل والاستعداد لها، فتتعزّز قدرتها على مواجهة التغيّرات البيئية والتحوّلات الاقتصادية والنموّ السكاني. كما وفّرت حلاً ذكياً لقطاع البيع بالتجزئة، إذ أطلقت إيصالات رقمية قد تمّ تصميمها لتتوافق مع جهود التسويق والنمذجة التي يمكن التنبؤ بها.

بوجيز العبارة، فيما نسير على درب التطوّر بخطى ثابتة، ينبغي لأصحاب المصلحة في المناطق الحضرية تبنّي هذه الحلول التكنولوجية، مع الاعتراف بدورها المحوري في رسم ملامح الحياة الحضرية في المستقبل. ويُعتبر التحوّل إلى المدن الذكية المدعوم من هذه التقنيات المبتكرة بمثابة رحلة جماعية تأخذنا إلى بيئات حضرية أكثر استدامة وكفاءة ومرونة، وهو هدف في متناول أيدينا وعاملٌ رئيسي لازدهار الأجيال القادمة.

الخصوصية والأمن في العصر الرقمي

تميل مدننا اليوم إلى التحوّل لمدنٍ أكثر ذكاءً واتصالاً، فبات جمع كميات كبيرة من البيانات وتخزينها وتحليلها أمراً أساسياً لحُسن سير العمليات فيها، لكن يطرح ذلك مخاوف كبيرة بشأن الخصوصية وأمن البيانات. وعليه، يجب أن تكون حماية المعلومات الحسّاسة وضمان الخصوصية ركيزة أساسية في مبادرات المدن الذكية. ويتطلب ذلك اعتماد تدابير قوية للأمن السيبراني، وسياسات شفافة لإدارة البيانات، وإدارة حوار عام مستمر من أجل ترسيخ الثقة بين المجتمعات وإدارات المدن.

لا يختلف اثنان على أنّ درب تحقيق رؤية المدن الذكية والمستدامة، مع دمج حلول الإيصالات الرقمية الشاملة، محفوفٌ بالتحديات الكبيرة. وتتراوح هذه التحديات ما بين الفروقات التكنولوجية والمخاوف المتعلقة بالخصوصية والعقبات التنظيمية. للتغلب على هذه التحديات، لا بدّ من بذل جهود متضافرة لضمان المساواة في إمكانية الوصول إلى الحلول الرقمية على أنواعها. هذا وتكثر المبادرات التي تُعتبر أساسية لسدّ هذه الفجوة، على غرار الاستثمار في البنية التحتية العامة لشبكة الواي فاي، وتوفير إمكانية الوصول إلى الإنترنت بأسعار مقبولة أو مجاناً في المناطق المهمّشة، فضلاً عن تطبيق البرامج الرقمية لمحو الأمية. بالتالي، يجب تصميم حلول المدن الذكية مع اتّباع نهج يركّز على المستخدم لضمان سهولة الوصول إليها وسهولة استخدامها على المستويَين الاستهلاكي والتجاري، بغض النظر عن مدى ذكاء الشخص في مجال التكنولوجيا.

رسم مستقبل حضري مستدام

يُعتبر دمج الإيصالات الرقمية في المدن الذكية خطوة محورية نحو بناء مستقبل حضري مستدام. كما تستفيد المدن من التكنولوجيا لتبسيط إدارة المستندات فيها، وتقليل هدر الورق، وتعزيز الكفاءة التشغيلية، ممّا يتيح لها التوفير من حيث التكلفة وتحقيق مكاسب إنتاجية، فضلاً عن المساهمة في الحفاظ على البيئة وتحقيق أهداف الاستدامة. وتجسد المنصات الرقمية على غرار klipit الإمكانات التحويلية التي تتمتع بها حلول الإيصالات الرقمية في مجال تعزيز الابتكار الحضري وزيادة مرونة المدن وشموليتها مع رفع الوعي بالبيئة.

في إطار استجابتنا لتعقيدات التنمية الحضرية في القرن الحادي والعشرين، ينبغي لأصحاب المصلحة من جميع القطاعات التعاون مع بعضهم البعض وتقديم الابتكارات الجديدة وتبنّي التحوّل الرقمي. فعبر التغلب على تحديات مثل التفاوتات التكنولوجية، والمخاوف المتعلقة بالخصوصية، والعقبات التنظيمية، يمكننا تمهيد الطريق لمشهد حضري أكثر ذكاء واستدامة حيث تُمنح الأولوية للكفاءة والإنصاف وحماية البيئة. وتجدر الإشارة إلى أنّ رؤية المدن الذكية المستدامة المدعومة بحلول الإيصالات الرقمية تُعتبر في متناول اليد، ومن خلال الجهود الجماعية واستراتيجيات التفكير السابقة للعصر، يمكننا تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس ينعكس إيجاباً على الأجيال الحالية والمستقبلية.

إن مستقبل الحياة الحضرية رقمي ومستدام ومترابط، ومن خلال اعتماده، يمكننا إنشاء مدن ذكية ومرنة ومزدهرة بكلّ معنى الكلمة.

بقلم فينكات ريدي، الرئيس التنفيذي لشركة klipit ومؤسّسها

You may also like