أكثر ما يلفت الانتباه ضمن مبادرات الاستدامة الدائمة التطور في منطقة الخليج هو الدور الحيوي للمرأة كقوة دافعة رئيسية لهذه الجهود، لا سيما في مشهد الطاقة الجديد الذي يتشكل في المنطقة والعالم.
فقد شهدنا خلال مؤتمر الأطراف للأمم المتحدة بشأن المناخ (كوب 28)، الذي استضافته دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة نهاية العام الماضي، مساهمة القيادات النسائية الريادية في تفعيل أجندة رئاسة المؤتمر؛ تجلّت بتواجد ثلاث سيدات في رئاسة دولة الإمارات لمؤتمر الأطراف (كوب 28) العام الماضي؛ وهن معالي مريم المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات حينها، ومعالي شما المزروعي، وزيرة تنمية المجتمع ورائدة المناخ للشباب، وسعادة رزان المبارك، رئيسة الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة ورائدة الأمم المتحدة للمناخ لمؤتمر كوب28، إلى جانب حضور المرأة المتميز على مستوى قيادة وعضوية فرق التفاوض، أو دعم المبادرات الجديدة، حيث حملت المرأة الإماراتية شعلة العمل المناخي المؤثر والاستدامة، لتصل بها إلى أعلى مستويات صنع القرار عالمياً.
والآن على القطاع الخاص الاقتداء بنموذج رئاسة (كوب28) ونقله. وينطبق ذلك خصوصاً على قطاع الطاقة، الذي سيحدد سرعة ونطاق قدرتنا على تنفيذ مستهدفات اتفاق الإمارات التاريخي، والذي يساند التحول إلى أنماط أكثر من الطاقة النظيفة والمستدامة، بالتوازي مع بناء وتطوير قدرات إنتاج الطاقة المتجددة عالمياً ثلاثة أضعاف، ومضاعفة كفاءة استخدام الطاقة مرتين بحلول عام 2030.
تعزيز التوازن بين الجنسين في قطاع الطاقة
وعلى مسار تعزيز التوازن بين الجنسين في قطاع الطاقة، تشهد مشاركة المرأة في القطاع ارتفاعاً على المستوى العالمي، حيث تعد نسبة السيدات العاملات في قطاع الطاقة أكثر من خُمس (22%) عدد الموظفين فيه، فيما تتحسن تلك النسبة في المجالات المتعلقة بالطاقة المتجددة، حيث تشكل النساء حوالي ثلث (32%) الموظفين ضمن قطاع الطاقة المتجددة، وفقاً لأحدث الأبحاث الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا). لكن يوجد عدد ضئيل من النساء اللواتي ممن يشغلن مناصب استراتيجية وتقنية تُعنى بتصميم وتنفيذ الحلول، في حين أن أكثر من نصف المناصب التي تشغلها النساء ضمن قطاع الطاقة ليست قيادية.
وبالتالي، يتطلب المنطق السليم المزيد من الجهود لتحقيق التوازن، فالتحديات التي تواجهنا، بدءاً من التغير المناخي ووصولاً إلى توافر الطاقة وتكلفتها، تؤثر علينا جميعاً ولا تميّز على أسس الجنس أو العرق أو الانتماء؛ ونقصد بذلك جميع سكان العالم، والتي تشكل النساء نصفهم، وهو ما يتطلب أيضاً مشاركة متساوية في تطوير الحلول التي نعتمدها، بدءاً من المستوى التقني ووصولاً إلى مستوى صنع القرار والسياسات.
وتتأكد تلك النقطة بصورة أوضح عندما ننظر إلى الأبحاث التي تظهر أن تولي النساء لمناصب صنع القرار، سواء في القطاع العام أو الخاص، حيث يزيد منح الأولوية لقضايا الاستدامة والمناخ لتبلغ منزلة أكثر أهمية على أجندة الحكومة والشركات على حد سواء..
وعندما نفكر في ذلك السياق ضمن أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، تصبح ضرورة إشراك المزيد من الكوادر النسائية في مجالس الإدارة والمناصب العليا أوضح، كما يقع الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة، الذي يدعو إلى المساواة بين الجنسين، في صميم تلك الأهداف.
لا شك بأن تسريع تمكين المرأة وتحقيق الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة، سيعجل من تحقيق أهداف التنمية المستدامة الأخرى المتعلقة به، مما ينعكس بدوره على تخفيف حدة أزمات الفقر أو الجوع أو التغير المناخي، والتي تؤثر بشكل أكبر على النساء. كما سنكون، كدول ومؤسسات، أقدر على توفير الطاقة أو البنية التحتية المستدامة، وتوليد وظائف ومستويات معيشة لائقة للجميع إذا تمكنا من توفيرها للنساء اللواتي يعانين من التجاهل أو الإبعاد أو الحرمان من حقوقهن.
أمام ذلك الواقع الاجتماعي والاقتصادي، يجب على القطاع الخاص والقيادات في مواقع المسؤولية على حد سواء تشجيع وتمكين مشاركة المرأة في القطاعات الحاسمة لتحقيق مستقبل مستدام، بما يشمل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والطاقة المتجددة، والتحول الرقمي.
وسيشهد المدى المنظور تحولاً في مشهد الاستثمارات عالمياً. إذ يتطلب تحقيق الحياد المناخي حول العالم بحلول عام 2050 استثمار حوالي خمسة تريليون دولار سنوياً في حلول تحول الطاقة. وستولد تلك المسيرة إلى الحياد المناخي ما يقارب 140 مليون وظيفة جديدة في القطاعات المرتبطة بالطاقة النظيفة والمتجددة. ويقدم لنا ذلك المستوى من الاستثمار فرصة لا تتكرر لبناء عالم أكثر توازناً بين الجنسين، عبر ضمان تدفق الاستثمارات إلى البرامج التي تعطي الأولوية لتعليم السيدات والشابات وتدريبهن والارتقاء بمهاراتهن. ويمكن للقطاع الخاص قيادة تلك المسيرة.
وفي “شنايدر إلكتريك” نشجع التنوع في مجالس الإدارة ونرتقي بدور المرأة إلى مناصب قيادية في منطقة الخليج ومكاتبنا العالمية. كما نرعى، من خلال الإنصاف في الأجور والمساواة بين الجنسين، بيئة عمل شاملة للجميع يمكن فيها للمرأة التفوق وتقديم مساهمات نوعية في عمل الشركة في الشرق الأوسط والعالم، كما يؤدي إشراك المزيد من السيدات في مجالس الإدارة إلى بناء ثقافة تدعمهن وتتقدم بهن عبر العمل الجاد والمسؤولية والالتزام الواثق بالتطور المستمر.
ومع وصولنا إلى منعطف تاريخي في العمل المناخي والاستدامة والمشهد الجديد للطاقة، نقترب من تحول هائل، قد يكون الأكبر في حياتنا. وعندما نتأمل في القدرات التحوّلية والنوعية التي تقدمها الإنجازات التكنولوجية للثورة الصناعية الرابعة، مثل الذكاء الاصطناعي، نرى أن الحلول التي نحتاج إليها أصبحت متاحة أكثر من أي وقت، وعلينا العمل معاً لضمان المشاركة المتوازنة بين الجنسين في تطبيق تلك الحلول.
بقلم: أمل الشاذلي، رئيسة منطقة الخليج لدى شنايدر إلكتريك