يُجمع العالم، لا سيما منطقة الشرق الأوسط، على ضرورة الإسراع بوتيرة جهود مكافحة تغير المناخ. ومن المتوقع أن يؤدي الاحترار العالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية أو أكثر إلى تفاقم تأثير درجات الحرارة القصوى السائدة بالفعل، وندرة المياه، وتعرض المناطق الساحلية المنخفضة في الشرق الأوسط للخطر. بما أن هذه المنطقة تتمتع بموارد طبيعية مثل النفط والغاز التقليدي، فإنها وثيقة الصلة للغاية بنموذج الطاقة التاريخي.
وفي هذا المسعى، تتآزر جهود حكومات دول المنطقة وكيانات القطاع الخاص في كل دولة منها؛ حيث تمهد سبل تنفيذ مشاريع المدن المستدامة، مثل نيوم في المملكة العربية السعودية، ومدينة مصدر في دولة الإمارات العربية المتحدة. وحالياً، تولد المنطقة الطاقة الشمسية بأقل تكلفة على مستوى العالم. وهي ميزة تنافسية تيسر فرصاً هائلة أمام منطقة الشرق الأوسط، حيث خصصت أكثر من 2 تريليون دولار لمشاريع البنية التحتية المحتملة، ما يوفر فرصاً عديدة للريادة في إنشاء وجهات مستدامة، وإعادة صياغة سلاسل التوريد الدولية، وتنمية اقتصاد دائري.
جدير بالذكر أن شركات الاتصالات في المنطقة قطعت أشواطاً طويلاً على صعيد قيادة هذا التغيير الجذري الأخضر وتبني العديد من المبادرات في هذا المجال مثل “المبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050” في دولة الإمارات، وتعهد المملكة العربية السعودية بتحقيق الحياد المناخي بحلول العام 2060 (مبادرة السعودية الخضراء)، هناك دافع كبير نحو تحقيق ممارسات مراعية للبيئة في جميع القطاعات.
تطوير الشبكات ودوره في تحقيق التحول
أصبح تطوير الشبكات في دول الشرق الأوسط أمراً جوهرياً في جهود خفض الانبعاثات. ومع ارتقاء شركات الاتصالات في المنطقة إلى الجيل الخامس، لديها فرصة لتجديد شبكاتها لرفع كفاءة استخدام الطاقة من خلال الاستعانة بأحدث ابتكارات الأجهزة والبرامج. ويؤدي هذا التطوير إلى تحسين الأداء مع ترشيد استهلاك الطاقة وتقليص البصمة المكانية، وهي ضرورة في منطقة تكتسب كل مساحة أرض فيها قيمتها، وترتفع فيها تكاليف التبريد بسبب مناخها الحار.
وانطلاقاً من نهج “القليل هو الكثير”، تستخدم شركات الاتصالات في المنطقة تجهيزات مدمجة وفعالة المواد تؤدي إلى تقليل النفايات؛ مما يؤدي إلى تعزيز التوسع الشبكي القوي الذي يواكب الطفرة الرقمية في المنطقة، مع تقليص حجم طاقة التشغيل.
وتعمل شركات الاتصالات؛ وهي مسؤولة عن تحديث البنية التحتية للشبكات- بشكل متزايد على استبدال الأجهزة القديمة كثيفة الاستهلاك للطاقة في الشبكات الثابتة والمتنقلة بمعدات ونقاط أكثر استدامة؛ الأمر الذي يسهم في تحسين الأداء ويرشد طاقة ويقلص مساحة التشغيل إلى حد بعيد. والنتيجة هي شبكة أعلى كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة.
إلى جانب التخلي عن الأجهزة القديمة، فإن تطوير الشبكات يسهم في تبني استراتيجية قائمة على البرمجيات التي يقودها الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة. ومن خلال سلاسة عمليات الشبكة وأتمتتها بإمكانات الذكاء الاصطناعي/تعلم الآلة، تتمكن شركات الاتصالات من تحقيق وفورات أعلى في الطاقة.
تشجيع الممارسات المستدامة في الشبكات عبر استراتيجيات أساسها البرمجيات
باعتبارها عنصر مكمل للأجهزة الموجودة، تحافظ البرمجيات المتقدمة على سلاسة تشغيل الشبكات وتساعد في الوقت نفسه في الحفاظ على بيئة الأرض. فعلى سبيل المثال، يمكن للخدمات الافتراضية مثل الإدارة واستكشاف الأخطاء وإصلاحها عن بعد أن تساعد المشغلين على تقليل “حركة الشاحنات”؛ ما يلغي الحاجة إلى التركيبات والإصلاحات التقليدية. كما تتيح الاستفادة من وظائف الشبكة السحابية الأصلية لشركات الاتصالات استضافة وظائف الشبكة وإدارتها في السحابة بدلاً من الاعتماد على أجهزة متعددة في الشبكة. ويقطع مثل هذا النهج شوطاً طويلاً نحو التخلص من الأجهزة شديدة الاستهلاك للطاقة وخفض الانبعاثات عبر الشبكة.
على جانب آخر، يعزز الجمع بين واجهات برمجة التطبيقات المفتوحة وإمكانيات المخزون الديناميكية قدرة شركات الاتصالات على اكتشاف المعدات التي يجب إيقافها أو استبدالها واختيار أفضل مسار للحركة في الشبكة. وبالأتمتة الذكية، يمكن لشركات الاتصالات تحسين تحكمها في أصول الشبكة الحالية. وتدعم هذه التقنيات قدرات هندسة المرور لدى شركات الاتصالات وتمكنها من توسيع سعة الشبكة بما يتماشى مع تفاوت حجم الطلب المتقلبة والارتفاع المفاجئ في حركة المرور؛ ما يؤدي في النهاية إلى تعظيم الاستفادة من النطاق الترددي دون الإفراط في تخصيص الموارد.
ويستلزم تطوير الشبكة الإحاطة الكاملة بأصول الشبكة وتصميم وترتيب الأجهزة والكابلات والبرامج بها. ويمكّن التآزر بين الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والتحليلات المستندة إلى بيانات القياس عن بعد شركات الاتصالات في المنطقة من تحديد فرص ترشيد الطاقة، بما في ذلك تحليل استخدام الشبكة وبيانات الأداء وتحسين مواقع خلايا الجيل الخامس بناءً على حجم الطلب اللحظي.
تمكين شركات الاتصالات لتنهض بدور فعال في جهود الاستدامة
في الابتكار المتواصل تعزيز لاستدامة شركات الاتصالات، ولكن البنية التحتية الأساسية للشبكة هي التي تيسر استغلال تلك القدرات. وفيما يتعلق بالاستدامة، تتجاوز شركات الاتصالات مجرد تطبيق الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة لتتبنى نهجاً أشمل لتطوير الشبكة. وهو ما يعني تجاوز ترقيات الأجهزة الثابتة والانتقال نحو استخدام الذكاء التنبؤي في تحسين استغلال الأصول الحالية بطريقة أكثر استدامة وفعالية من حيث التكلفة.
وقد اكتسبت الشبكات المستقلة، أي التي يمكن تشغيلها دون تدخل بشري، زخماً على مدار سنين. ولكن في حين أن الشبكة المستقلة قادرة على التهيئة والمراقبة والصيانة الذاتية، فإن الاستغناء التام عن العنصر البشري في إدارة الشبكة وعملياتها ليس أمراً واقعياً، ناهيك عن مخاطر ذلك. وحدها عوامل الوقت والخبرة الميدانية والثقة بالقدرات الجديدة تحدد كيفية تنفيذ شركات الاتصالات للشبكات المستقلة والزمان والمكان المناسبين لذلك.
كما أن هناك بديل لبناء شبكات مؤتمتة، ألا وهو بناء شبكات قابلة للتكيف. فهي تتكيف بذكاء وبطريقة استباقية مع المتغيرات ولا تكتفي بالتفاعل معها. ويؤدي تبني الشبكات التكيفية إلى تعزيز قابلية البرمجة والذكاء والانفتاح والحجم والأمان اللازم لتشغيل الشبكات بشكل فعال ومستدام. وهذا أمر أساسي لتبسيط العمليات؛ تقديم رؤية موحدة، وتحليلات، ومراقبة الأداء عبر شبكة متعددة الطبقات؛ والاستفادة بشكل كامل من قدرات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة في تحسين العدد الإجمالي للأطوال الموجية أو تقليل استهلاك الطاقة.
أي أن أمام شركات الاتصالات في دول الشرق الأوسط فرصة مواتية لتحتل مكانة رائدة في جهود الاستدامة من خلال تطوير شبكاتها. وبالاستفادة من أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وتقنيات الشبكات التكيفية، يمكنها بناء شبكات فعالة وموثوقة، تتوافق مع أهداف الاستدامة في المنطقة، وهو مسعى يقتضي على تبني التغيير برؤية واضحة والتزام ثابت لتحقيق مستقبل أكثر خضرة وذكاءً.
بقلم: بيت هول، المدير التنفيذي الإقليمي، لشركة سيينا الشرق الأوسط وإفريقيا