أدرك المركز العالمي لإنتاج المواد الهيدروكربونية أنه لا بد من وجود مستقبل جديد مستدام، وأن مجرد الاستمرار في ضخ النفط لم يعد خياراً، وأنه لا بد من رؤية جديدة تركز على حماية البيئة من خلال الابتعاد عن مصادر الطاقة التي تنتج ثاني أكسيد الكربون.
وفي مطلع العقد الماضي، أعلنت كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أن الاعتماد المستمر على الوقود الأحفوري للحصول على الدخل والطاقة هو أمر غير مستدام اقتصادياً وبيئياً، وبالتالي أصبح التوجه باستثمار عوائد النفط لتنويع وتخضير الاقتصاد وتحقيق النمو المستدام.
ولا يمكن أن يأتي هذا النمو إلا من خلال الاستثمار في القطاعات الجديدة والنامية، مثل الاستدامة والتكنولوجيا وزيادة العلاقات التجارية العالمية، مع إبقاء الأبواب مفتوحة أمام جميع الأعمال التجارية، وذلك من خلال الحياد السياسي.
وخلال العقدين القادمين، سوف تستيقظ البلدان في جميع أنحاء العالم على حقيقة مفادها أن الدول الكبرى في الشرق الأوسط “النفطية” ستصل إلى صافي الانبعاثات الصفرية، وستكون بعض البلدان الأكثر سخونة في العالم قد حققت الأمن المائي وتوفر لديها القدرة على إعادة استخدام وإدارة إمدادات المياه محققة السبق على العديد من البلدان “المتقدمة”.
ويعزز هذه النتائج المتوقعة للإمارات والسعودية تفوقهما في مجال التكنولوجيا وخاصة في مجالات blockchain والروبوتات والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى تحقيق خطوات متسارعة في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وإنتاج الهيدروجين الأخضر، فضلاً عن الاستثمار التكتيكي في الطاقة النووية، وترقب الوصول لتصدير الطاقة النظيفة وتزويد الدول الأخرى بالوسائل اللازمة لتحقيق أهدافها الخاصة بخفض الانبعاثات الصفرية.
والسؤال الدائر اليوم، كيف حدث هذا التغيير في الإمارات والسعودية ودول عربية أخرى؟
هناك العديد من العناصر في القصة، لكن العنصرين الأكثر أهمية كانا في تسارع المخاوف بشأن تغير المناخ، والتغيرات العالمية التي أحدثها كوفيد-19.
إن الارتفاع السريع في متوسط درجات الحرارة العالمية جعل إدارة ظاهرة الاحتباس الحراري أمراً حتمياً، وبالتالي فمن الضروري الحد من انبعاثات الكربون. وبعد أن أدركت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الحاجة إلى تنويع اقتصاداتهما والابتعاد عن نمو الناتج المحلي الإجمالي القائم على الهيدروكربون، فقد استثمرتا بالفعل بكثافة في الطاقة المتجددة.
لقد أصبحت الاقتصادات النفطية اقتصادات الطاقة الشمسية، قادرة على توليد الكهرباء بتكاليف أقل من أي أسواق أخرى. وهذا يعد بمثابة مكافأة لاقتصاداتها، وله أهمية أكبر بكثير عند النظر إلى الصناعة العالمية وحاجتها من الصناعات الثقيلة إلى التكنولوجيا لتكون قادرة على إنتاج سلع بدون بصمة كربونية أو ذات بصمة كربونية أقل بكثير. وبدون الوصول إلى الطاقة الخضراء أو النظيفة، لا يمكن أن يحدث هذا.
عندما يضاف تأثير كوفيد إلى المعادلة، يمكننا أن نرى أن العاصفة الكاملة كانت تتطور، ولقد أدى كوفيد-19 إلى إعادة تقييم سلاسل التوريد العالمية، حيث بدأت الشركات التي أغلقها كوفيد، بسبب سلاسل التوريد الممتدة الخاصة بها، في الانتقال إلى الداخل أو إعادة التصنيع، متطلعة إلى التصنيع بالقرب من قواعدها وأسواقها الأصلية.
وتقع منطقة دول مجلس التعاون الخليجي بين ثلاثة محتويات رئيسية، في وسط طريق الحرير القديم، وتوفر موقعاً مثالياً للشركات لتأسيس عملياتها. أضف إلى ذلك توافر الطاقة النظيفة وتطوير عدد من مراكز التكنولوجيا المرموقة والتي ركزت على استخدام الذكاء الاصطناعي لتقليل تكاليف الطاقة، وتسريع البحث والتطوير، اضف الى ذلك تطوير الحلول للأسواق الجديدة، مما جعل من دول مجلس التعاون الخليجي موقعاً مرغوباً فيه.
ولا تزال هناك حاجة إلى مزيد العمل، كما أظهرت العواصف المناخية الأخيرة في المنطقة.
إن صعود وهبوط تغير المناخ يعني أن الظروف الجوية الأكثر تطرفا ستؤدي إلى أحداث غير مسبوقة. ومع ذلك، فإن دولًا مثل الإمارات العربية المتحدة معتادة على الاستجابة بسرعة وفعالية لتمتعها بمهارات عالية في إدارة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها وسيتحركون بسرعة لضمان تنفيذ العمليات اللازمة للعواصف المستقبلية للاستفادة من هطول الأمطار وعدم الوقوع فيها.
وشهد مؤتمر الأطراف “COP28”، الذي استضافته دولة الإمارات في دبي عام 2023، إنجازاً تاريخياً تمثَّل في تحقيق توافق بين الدول كافة على تفعيل عمل وآليات تمويل صندوق عالمي يختص بالمناخ ومعالجة تداعياته، بعد أن ظلت فكرة دعم الدول الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ مدار نقاش لنحو ثلاث عقود منذ طرحها لأول مرة على جدول أعمال مؤتمرات الأطراف.
وشكل هذا الصندوق خطوة حاسمة نحو تحقيق العدالة المناخية وتعزيز التضامن الدولي لمواجهة أزمة تغير المناخ التي تتزايد تداعياتها في كافة أنحاء العالم يوماً بعد يوم.
ويتطلب نجاح عمل “الصندوق العالمي المختص بالمناخ ومعالجة تداعياته” ضمان استدامة التمويل، إذ يُقدر إجمالي احتياجات الدول النامية لمواجهة تداعيات تغير المناخ بتريليونات الدولارات.
وتواجه دول مجلس التعاون الخليجي تحديات معقدة في طريقها نحو الاستدامة، لكنها ظلت لسنوات عديدة تتبنى الطاقة المتجددة، وتسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي، وتبني ممارسات كفاءة استخدام المياه.
وبفضل القيادة الجريئة والثاقبة، والعمل الجماعي، والاستثمارات الاستراتيجية، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تتقدم بسنوات عديدة على الدول التي تدعي أنها حراس المستقبل المستدام.
عندما يسير كبار الشخصيات العالمية عبر مروج دولة الإمارات العربية المتحدة أو المملكة العربية السعودية، فإنهم يحتاجون إلى التفكير في حقيقة أن المياه المستخدمة للحفاظ على العشب الأخضر ربما يتم إنتاجها بشكل مستدام باستخدام الطاقة النظيفة، وهو ما قد لا ينطبق على ساحاتهم الخلفية. لذا، فإن العشب سيكون أكثر اخضراراً في دول مجلس التعاون الخليجي ويساهم في استدامة الموارد الطبيعية.
بقلم: الياس عبدو – الرئيس التفيذي لشركة هايدرو باور