Home » الإنتاج المستدام ليس خيارًا.. بل التزام بيئيّ لا غنى عنه

الإنتاج المستدام ليس خيارًا.. بل التزام بيئيّ لا غنى عنه

by Elhadary

 في عام 1973، خصصت الأمم المتحدة تاريخ الخامس من يونيو كيوم عالمي للبيئة بهدف تعزيز الوعي والتحرك تجاه القضايا البيئية. ورغم أهمية هذه المناسبة، إلا أنه من المؤسف ملاحظة أن قطاعي الإعلان والإبداع يساهمان بدرجة كبيرة في الأعباء البيئية التي يُسلط عليها الضوء خلال هذا اليوم. فوفقًا لدراسة نُشرت على “بزنس جرين” فإن إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصادرة عن الوكالات الإعلانية تتجاوز 84,000 طن سنويًا، وهذا يمثل جزءًا واحدًا من منظومة الإعلان برمتها. ومع ذلك، ثمة بارقة أمل تكمن في كيفية معالجة هذا التحدي، لا سيما في مجال إنتاج المحتوى الذي أعمل فيه، حيث نخطو خطوات جدية لتخفيف التأثير السلبي الذي نتركه على البيئة وربما القضاء عليه نهائيًا.

أعتقد أنّ التغيير المنشود في صناعة الإعلان إنما ينبع من رغبة العاملين في هذا المجال بأن يكونوا شركاء في حلّ أزمة المناخ. ويمكن تحقيق ذلك من خلال دور الإعلان المؤثر على سياسة الشركات وسلوك المستهلكين؛ حيث يُساعد على توجيههم نحو اتخاذ خيارات أكثر استدامة في مشترياتهم واستخداماتهم وسلوكياتهم. كما يمكن تحقيق ذلك من خلال المساهمة الإيجابية المتمثلة في إعطاء الأولوية لإنشاء محتوى مستدام، ليس كمجرد أمر مرغوب فيه فحسب، بل كضرورةٍ استراتيجية.

وبالنسبة لمبادرة “إعلان صافي صفر” ((Ad Net Zero  فهي واحدة من أبرز المبادرات -غير الربحية- التي تقودها جمعية الإعلان، وتلعب دورًا فاعلاً في دفع التغيير نحو صناعة إعلانية مستدامة.

منذ انطلاقة “إعلان صافي صفر”، انضمّ “كرييت”، وهو استوديو العلامات التجارية التابع لـ CNNإنترناشونال، والذي أفتخر بالعمل معه منذ ما يقرب من عقدين، إلى المجموعة التوجيهية للمبادرة، إلى جانب نخبة من كبار العلامات التجارية والوكالات والناشرين الذين يسعون جاهدين لتحقيق صافي صفر أو يتعهدون بذلك فيما يتعلق بإنتاج المحتوى الإعلاني. وتُمثّل مشاركة استوديو “كرييت”، في هذه المبادرة ركيزة أساسية لتعهدنا بإنتاج إعلاني خالٍ من الانبعاثات الكربونية لعملاء إعلانات CNN حول العالم.

علاوةً على ذلك، تُمثّل هذه المبادرة منصةً للتعاون البنّاء عبر مختلف أعمال قطاعنا؛ حيث نعمل جميعًا على دفع سياسات الحدّ من انبعاثات الكربون في جميع أنظمة الإعلان، وتعزيز قدرات القطاع على وضع أهداف صافي صفر مُستندة إلى أسس علميةٍ والالتزام بها وتطبيقها.

وفي عالم إنتاج المحتوى، أؤمن إيمانًا راسخًا بأنّ تحقيق الحياد الكربوني لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال استدامةٍ فعالة. ويسعى منتجو الإعلانات ومحتوى العلامات التجارية إلى تحقيق ذلك من خلال حساب بصمة الكربون لكلّ مشروع واتّخاذ خطواتٍ فعّالةٍ لخفضها إلى الصفر، إلى جانب تنفيذ مجموعةٍ من إجراءات الكفاءة الداخلية ودعم مشاريع خارجية تُساهم في خفض الانبعاثات. أدرك تمامًا أنّ التحدّي كبير، ولا توجد حلول سريعة، ولكنّني آمل أن تُساهم مشاركة بعض ما أتعلمه خلال رحلتي في مساعدة الآخرين الذين يُواجهون نفس التحديات.

ومن هذا المنعطف، أيقنتُ أنّ خفض البصمة الكربونية في مجال الإنتاج يبدأ بخطوتين أساسيتين: الناس والعمليات. ولحسن الحظ، يتمتع فريقنا بوعي بيئي عالٍ، وقد التزمنا بهذا المشروع إيمانًا منا بأهميته لنا وللكوكب على حدٍّ سواء؛ حيث نُساهم في حماية البيئة، ونُعزّز مهاراتنا، ونُؤمّن مستقبلًا أكثر استدامة لعملنا في الوقت ذاته. وحرصًا منّا على تقليل تأثيرنا البيئي، نُخضع جميع أفلامنا الإعلانية المباشرة التي ننتجها حول العالم لحاسبة بصمة الكربون “آدغرين” (AdGreen) بهدف قياسها والعمل على تخفيضها.  ويُساعد تعاوننا مع “آدغرين”، وهي هيئة معترف بها عالميًا ومقرها المملكة المتحدة، في ابتكار حلولٍ عمليةٍ تُساهم في تقليل بصمتنا الكربونية بشكل ملموس، وتشمل هذه الحلول: استبدال المواد التقليدية ببدائلٍ أكثر استدامةً، وترشيد استخدام الكهرباء والوقود، استئجار المستلزمات والأزياء بدلاً من شرائها، مع الحرص على اختيار موادٍ صديقة للبيئة بما في ذلك الطلاء والمكياج، وتقديم وجباتٍ نباتيةٍ من مصادرٍ محلية، فضلاً عن إعادة التدوير والتقليل من النفايات والبلاستيك الذي يستخدم لمرة واحدة. لا شكّ أنّها عملية مليئة بالتحديات، لكنّني مُعجب للغاية بالحماس الذي يُظهره فريقنا في تعلّم ممارسات الإنتاج المستدامة واعتمادها، وكذلك الأمر بالنسبة للمواهب والفرق التي نتعاون معها.

ولا تقتصر جهودنا على تطبيق ممارسات الإنتاج المستدامة فحسب، بل نحرص أيضًا على قياس تأثيرها بشكلٍ دقيق. ونفتخر في “كرييت” بحصولنا على لقب “المستخدم المميز” لعامين متتالين في المراجعة السنوية لـ “آدغرين”؛ إذ صُنفنا بين أفضل 10 “مستخدمي الوكالة” على مستوى العالم. ويُعزى هذا الإنجاز إلى “التزامنا المستمر بقياس انبعاثات الكربون” لكلّ مشروع، ممّا يجعلنا من بين الاستوديوهات والوكالات الرائدة في استخدام حاسبة البصمة الكربونية.

ويُعدّ قياس وتوثيق بصمتنا الكربونية خطوةً أساسيةً لمعرفة ما إذا كنّا قد حققنا هدفنا المتمثل في تحقيق صافي صفر انبعاثات الكربون في مجال الإعلانات. ندرك تمامًا أنّ هذه العملية قد تبدو صعبةً في البداية، لكنّ دمجها في سير العمل الإنتاجي يُسهلّ من تنفيذها بشكلٍ كبير. ففي عام 2022، عززنا هذا الإجراء كجزءٍ من التزامنا بأن يكون كلّ فيلمٍ ينتجه الاستوديو محايدًا كربونيًا. وحتى الآن، نجح الاستوديو في خفض انبعاثات الكربونية وتخفيف الانبعاثات المتبقية في أكثر من 100 مشروع إنتاجي، والمساهمة في تمويل أكثر من 18 مشروعًا للكربون حول العالم.

وفي ضوء ذلك، يمثل تمويل مشاريعٍ من خلال تعويض انبعاثات الكربون عنصرًا أساسيًا لنجاح هذه المبادرة وتحقيق أهدافها. وندرك أنّ زراعة الأشجار، رغم فوائدها البيئية، قد لا تُحدث تأثيرًا ملموسًا على المدى القصير. لذا، نحرص على اختيار مشاريعٍ تُساهم بشكلٍ مباشرٍ في معالجة القضايا البيئية التي تُثيرها الحملات الإعلانية التي نعمل عليها. فربط المشروع بالمحتوى يُضفي عليه معنىً أكبر ويُعزّز تأثيره. على سبيل المثال، تضمن عملنا الأخير مع سامسونج تعاونًا مع عالمة أحياء بحريةٍ لضمان حماية المحيطات خلال مراحل العمل، وللتخفيف من انبعاثات الكربون المتبقية، اخترنا مشروعًا لإعادة إحياء أشجار القرم من خلال العمل مع مؤسسة “دلتا بلو كربون”، والذي يساهم في امتصاص الكربون بكميةٍ تعادل الكمية المنبعثة من المشروع، ويُعزّز أيضًا حماية المجتمعات والنظم البحرية.

لا شكّ أنّ رحلتنا نحو الحياد الكربوني لم تخلُ من التحديات، حيث واجهنا في الاستوديو عقباتٍ لوجستيةٍ في عملية التحول، واضطررنا إلى العمل ضمن الميزانيات السابقة ذاتها، مع ضغوطاتٍ إضافيةٍ تمثّلت في دمج إجراءاتٍ جديدةٍ وإنجاز المهام في المواعيد النهائية الضيقة بصورة منتظمة. كان قرارنا بالتعهد بتحقيق صافي صفر انبعاثات الكربون والالتزام به قرارًا مهمًا لم يخلُ من التحديات، ولكن بفضل روح التعاون والابتكار، تمكنا من التغلب على هذه العقبات والمضي قدمًا في رحلتنا. واعتمد ذلك على مشاركة الخبرات والتعلم من الآخرين، بما في ذلك فريق الإنتاج بأكمله – من لندن إلى طوكيو – حيث خضع أفراد الفريق لتدريبٍ مُكثّفٍ حول أساسيات “إعلان صافي صفر”.

ختامًا، في ظلّ احتفالنا بيوم البيئة العالمي مرةً أخرى هذا الشهر، نجدد التزامنا بجعل الإنتاج المستدام نهجًا أساسيًا لا خيارًا. ونؤمن أنّ هذه الخطوة ضروريةٌ للمساهمة في الجهود المبذولة على مستوى القطاع لتحقيق مستقبلٍ أكثر استدامةً.

بقلم: مارتن لينغ، مدير أول للإنتاج في “كرييت”  CNN

You may also like