تشهد منطقة الشرق الأوسط حالياً نهضةً اقتصاديةً هائلةً وابتكارات متسارعة بالرغم من التحدياتٍ المائية التي تواجهها بسبب اضطراب حالة الطقس الذي تعود للتغيرات المناخية التي ألقت بظلالها على أنماط هطول الأمطار، والتي تؤدي إلى هطولٍ مفاجئ غزير يُحدث فيضاناتٍ كارثية تعرقل إعادة تغذيةِ طبقات المياه الجوفية وتمنع تسرب المياه للداخل؛ وبالتالي ومع مرور الوقت، تقلل من منسوب المياه الجوفية و تتسبب في تراجعٍ مُقلقٍ في توافرِ موارد المياه الجوفية، ممّا يُهدّدُ الأمنَ المائيّ للمنطقةِ بأكملها.
من جهة أخرى، يُفاقِم النمو السكاني السريع ، والتطور الصناعي في المنطقة الوضع بشكل كبير، كونه يزيد الطلب على المياه بشكل ملحوظ في مجالات متعددة كالزراعة التي تُعَدُّ قطاعًا رئيسيًا يعتمد بشكل أساسي على المياه الجوفية للري، وبالتالي يؤدي إلى استنزافٍ أسرع لهذا المورد الحيوي، لذا لا يجب الاستهانة أو تجاهل الوضع لأن المنطقة على أبواب أزمة مياه وشيكة تهدد بتقويض استقرار المنطقة اقتصاديًا واجتماعيًا.
مواجهة التحديات
فبينما نواجه ازدياداً في مخاطر تغيّر المناخ، هناك العديد من التحديات التي تتطلب اهتماما عاجلا، إذ يُعدّ الاعتمادُ المُفرطُ على المياه الجوفيةِ أحدَ أهمّ العواملِ التي تُؤدّي إلى استنزافِ هذا الموردِ الحيوي، وعكس ماكان يُعتقد في السابق فإن مخزونات المياه الجوفية يجري استنفادها بمعدلات مثيرة للقلق تتجاوزُ بكثيرٍ معدلاتِ التجديدِ الطبيعيةِ، وأصبح يُشكّلُ استنزافُ المياه الجوفيةِ تهديدًا خطيرًا لاستقرارِ المنطقةِ وازدهارِها.
وعلاوة على ذلك، يزيد استنزاف المياه الجوفية في الشرق الأوسط، وخاصة في دول مثل الإمارات والسعودية التي تعتمد على الري الجوفي، من مخاطر التدهور البيئي، بما في ذلك تملح التربة، وتعطيل التوازنات الطبيعية، وفقدان التنوع البيولوجي، إن هذا التأثيرالسلبي المتزايد يجبرنا على مواجهة الحقيقة المؤلمة بأن مثل هذا التدهور يمكن أن يلحق ضررًا بالغًا بالقطاع الزراعي، وبالتالي يسبب اضطراباً في الأمن الغذائي.
مخطط للتغيير
إن التنويع استخدام موارد المياه واعتماد ممارسات متكاملة في إدارة المياه تمكننا من فتح الآفاق لإمكانات جديدة في الحفاظ على صحة طبقات المياه الجوفية وضمان الأمن المائي للجميع على المدى الطويل.
وإدراكًا منا لكون المياه الجوفية مورداً نابضا، يجب أن تراعي جميع الأطراف المعنية في إدارة المياه ذلك؛ عبر توفير إمدادات مياه موثوقة للزراعة وغيرها من الأغراض التي تحقق الاستدامة في إدارة المياه الجوفية، كما أن المشاركة الاستشرافية من الحكومات، ورواد المجال والأفراد تعتبر ترجمة عملية للمسؤولية المشتركة تجاه أمن المياه للجميع.
إننا نُقدم حلولًا متقدمة لإدارة المياه الجوفية، تشمل أنظمة ضخ ذكية وتقنيات مراقبة متطورة، تهدف إلى تحسين كفاءة استخراج المياه وتوزيعها، إذ تُساهم هذه الحلول في ضمان الاستخدام الأمثل لموارد المياه الجوفية، وتُعزز من استدامتها على المدى الطويل، كما تعدّ الشراكات بين القطاعين العام والخاص أمرًا بالغ الأهمية لمواجهة تحديات إدارة خزانات المياه الجوفية بفعالية، كونها تُتيح الاستفادة من نقاط القوة لدى كلا القطاعين وتعزيز الابتكار، وتحسين الأطر التنظيمية، وضمان استراتيجيات قابلة للتكيف.
تنويع الموارد المائية
لحسن الحظ، أدركت دول المنطقة أهمية تقليل الاعتماد على المياه الجوفية و الحاجة إلى تنويع الموارد المائية، وبدأت بالفعل في تحقيق ذلك من خلال مبادرات استراتيجية تشمل محطات تحلية المياه ومبادرات استصلاح المياه .
إذ تتبنى دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مبادئ الاقتصاد الدائري لتعزيز الاستدامة في قطاع المياه، تشمل هذه المبادرات إعادة استخدام المياه وإعادة تدويرها، مما يُقلل من النفايات ويُعزز كفاءة الاستهلاك، حيث تعمل استراتيجية إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في دولة الإمارات العربية المتحدة على إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة لري المساحات الخضراء والحفاظ على إخضرار المدن، وبالمثل، تستثمر المملكة العربية السعودية في المعالجة المتقدمة لمياه الصرف الصحي لاستعادة المياه وإعادة استخدامها، بهدف تقليل الاعتماد على مصادر المياه العذبة ويخفف التأثير البيئي.
كما أنهما تتجهان إلى استكشاف تقنيات جديدة تقلل من الاعتماد على المياه الجوفية في الري مثل الزراعة الرأسية، التي تُعدّ حلًا مبتكرًا يُساهم في الحفاظ على المياه، وتعزيز الأمن الغذائي وتقليل البصمة البيئية، ولا يقتصر تأثير الزراعة الرأسية على تخفيف الضغط على مصادر المياه الجوفية فحسب، بل يُوفر أيضًا حلا للتحديات المتعلقة بالمياه، مثل تغير المناخ والجفاف، من خلال ضمان إمدادات مياه موثوقة وآمنة للزراعة، تُساهم الزراعة الرأسية في تحقيق مستقبل مستدام للمنطقة.
تعزيز الأطر التنظيمية القائمة
رغم جهود الهيئات الحكومية، لا يزال تطبيق اللوائح وتنفيذها يشكل تحديًا لتحقيق الفائدة المرجوة، لذا يتطلب من الحكومة والهيئات المعنية تشديد العقوبات على المخالفين وتعزيز قدراتها على الإنفاذ عبر تعزيز الأطر التظيمية ومراجعة القوانين، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة للرصد، ورفع الوعي المجتمعي بأهمية الحفاظ على المياه الجوفية.
وأخيراً من خلال العمل الجاد والتعاون المستمر، يمكننا ضمان مستقبل مستدام للمياه الجوفية، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والصحة البيئية وتحسين نوعية الحياة، ليس فقط للمنطقة ولكن كنموذج يُحتذى به عالميًا في إدارة المياه في المناخ الجاف.
كتب: المتحدث: مايكل نيلسون، المدير الإقليمي للمبيعات لمنطقة الهند، آسيا الوسطى، الشرق الأوسط وإفريقيا لدى شركة جراندفوس