انتشرت التدابير والممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات لتصبح جزءاً أساسياً من عملية تقييم أداء الأعمال، حيث تواجه الشركات اهتماماً غير مسبوق من جانب الجهات المعنية، فيما تغطي التزامات الانبعاثات الصفري الآن 90 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي في العالم، ما يعني موجة هائلة من الأنظمة المرتبطة بالجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة، مع ارتفاع أسعار الطاقة العالمية.
ينبغي أن تدمج الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة في الاستراتيجية الرقمية في الوقت الذي يحقق فيه التحول الرقمي أثراً حقيقياً على تلك الجوانب في مجالين أساسيين، وهما البيانات والإفصاح، وكفاءة الموارد.
طلب غير مسبوق على الإفصاح في الجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة
أصبحت الجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة في قمة جداول الأعمال خلال السنوات الماضية، مدفوعة بالاهتمام المتزايد بارتباطها بالأهمية المادية. وجاء نشر المبادئ الإرشادية لفرقة العمل المعنية بالإفصاح المالي بشأن المناخ عام 2017 ليرسل رسالة واضحة إلى السوق بأن المخاطر المناخية هي مخاطر استثمارية. وخلال الجائحة، تفوقت الصناديق الاستثمارية والشركات التي تركّز على الجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة مقارنة بالشركات الأخرى (بحسب ستاندرد آند بوزر)، مستفيدة من تحسّن إدارة الموردين ومشاركة الموظفين.
يحتاج الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري لأكبر عملية لنقل رأس المال في التاريخ، وبزيادة سنوية تبلغ 3.5 تريليونات دولار تخصص للأصول ذات الانبعاث المنخفض (ماكنزي). وبمعدل النمو الحالي، فإن تلك الأصول ستمثل نصف إجمالي الأصول المدارة بحلول العام 2024 (ديلويت).
وأدى النمو السريع للاستثمار والاستدامة في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة إلى نشوء موجة من القوانين والأنظمة التي تعنى بتلك الجوانب، فيما تتطلع الجهات التشريعية إلى وضع معايير مشتركة وتجنّب التضليل البيئي.
التحول من “عبء” إلى “فرصة”
الجانب الإيجابي هو أن البيانات البيئية والاجتماعية والحوكمة بدأت بالفعل بالاستفادة من التحول الرقمي، فهذه المجالات بطبيعتها تشمل جميع جوانب الأعمال وبالتالي فلابدّ من جمع البيانات المشتتة التي تديرها الوظائف والأقسام المختلفة. وعندما تفهم المؤسسات تماماً طبيعة البيانات التي تحتاجها ومكان وجودها، يصبح بوسعها عمل الآتي:
- ربط ومكننة “جمع وتحليل” البيانات من المصادر الحالية مثل أنظمة إدارة الموارد البشرية، ومركزية مجموعات البيانات المتفرقة.
- التخطيط بناء على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، والأطر والأنظمة المشتركة.
- إدارة وتحليل مجموعات البيانات التي تدعم صنع القرارات الاستراتيجية.
وتعتبر قياسات البصمة الكربونية للشركة من الأمثلة على كيفية استخدام البيانات في دعم الاستراتيجية البيئية والاجتماعية والحوكمة في المؤسسات. وتصغي “آي إف إس” إلى العملاء ممن يخبروننا بأن الإبلاغ عن الانبعاثات هو واحد من أبرز الأولويات البيئية والاجتماعية والحوكمة، ولهذا السبب فإن أولى الخطوات نحو مساعدة عملائنا في الإفصاح عن تلك الجوانب تبدأ من حساب الانبعاثات.
وللقيام بذلك فإننا نعمل على تطوير أداة “آي إف إس” لتتبع الانبعاثات في البنية السحابية، والتي تسمح بحساب انبعاثات النطاق 1 والنطاق 2 للبصمة الكربونية للشركة، ومساعدة العملاء في إدارة أثرهم على المناخ. ويعدّ عامل التميز الأبرز الذي تركّز عليه هذه الأداة هو بيانات العملاء الموجودة أصلاً في البنية السحابية من آي إف إس، والتي تجعل عملية جمع البيانات أكثر سهولة.
منهجية دورة الحياة: كفاءة وفعالية استخدام الموارد لتعود بالمنفعة على جميع الأطراف
من نقاط اللقاء الأخرى بين التكنولوجيا والجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة ما يتعلق بكفاءة استخدام الموارد، إذ إنه من المتوقع تضاعف احتياجات العالم من الطاقة بحلول العام 2050. وفي ظل ارتفاع أسعار الكربون، فإن تداول الكربون سيؤدي إلى النتيجة ذاتها، بالإضافة إلى اندفاع المستثمرين إلى بدء الاستثمار بالعقود المستقبلية للمياه حيث يتفوق الطلب على العرض حالياً.
وهنا تلعب القدرات الرقمية دوراً هاماً، حيث تركّز مجموعة فولفو للعمليات والحلول، والتي تستعين بحلول آي إف إس لتركّز عمليات إعادة التصنيع لديها على الاقتصاد الدوراني من خلال الخدمة والصيانة والتصليح لزيادة معدل الاستفادة من كافة المواد. ويوفر هذا التحول للتركيز على تقديم الخدمة إمكانية عدم ربط النمو باستخدام الموارد.
وتعدّ رولز رويس، الحاصلة على جائزة آي إف إس للتغيير من أجل الخير للعام 2021، رائدة في التركيز على تقديم الخدمة، فقد قامت خلال تسعينيات القرن الماضي بخطوة ضخمة نقلتها من تصنيع المعدات إلى تقديم الخدمات على المدى الطويل، من خلال نموذج يقوم على سعر محدد بالدولار لكل ساعة طيران. وتلعب “آي إف إس” دوراً هاماً في تحقيق رؤية رولز رويس “للمحرك الذكي”، والتي تتيح ربط البيانات بين خطوط الطيران ورولز رويس، ما يسمح للشركات بتحسين الفترة بين عمليات الإصلاح الشامل للمحركات بنسبة 45%، وتجنب انبعاثات الكربون المرتبطة بتلك العملية، مما يؤثر على أرباحها وعلى الجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة كذلك.
تبني التقنيات الرقمية لدعم التغيير الإيجابي
تؤدي التكنولوجيا إلى تحوّل ملموس في مشهد الاستدامة، وبخاصة فيما يتعلق بالبيانات والإفصاح وإدارة الموارد. ويمكن للشركات الاستفادة من ذلك عبر اعتبار الجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة جزءاً من استراتيجيتها للتحول الرقمي. فالاستخدام الفعال للتكنولوجيا هو السبيل الوحيد الذي يتيح مواكبة وتيرة التغيير، وبخاصة لإدارة البيانات والإفصاح الذي يكون فيها التبسيط والمكننة أبرز عوامل النجاح.
بقلم صوفي غراهام، مدير الاستدامة العالمية لدى آي إف إس