Home » تحويل الأمن الغذائي في الشرق الأوسط عبر أحدث ابتكارات التقنيات الزراعية

تحويل الأمن الغذائي في الشرق الأوسط عبر أحدث ابتكارات التقنيات الزراعية

by Elhadary

يقف القطاع الزراعي عالمياً عند مفترق طرق. فالتغيّر المناخي والنمو السكاني وندرة الموارد تُعيد صياغة الأسلوب الذي نعتمده لإنتاج الغذاء، ما يُجبر الدول على إعادة النظر في الممارسات التقليدية للزراعة.

ويتجلّى هذا التحدّي بشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط، إحدى أكثر مناطق العالم شُحّاً في المياه. فمع ارتفاع درجات الحرارة عاماً بعد عام، وتزايد صعوبة التنبؤ بهطول الأمطار، يتعرّض القطاع الزراعي في المنطقة لضغوط هائلة من أجل تطبيق تقنيات وسياسات متقدّمة لحماية مستقبله.

ويُعزّز النمو السكاني المتسارع والتوسّع الحضري الحاجة المُلِحّة لتطوير حلول زراعية محليّة ومستدامة. فمع التوقّعات بوصول عدد سكان الشرق الأوسط إلى 731 مليون نسمة بحلول العام 2050، وتعرّض 9% من شبه الجزيرة العربية لخطر التصحّر، تعتبر المخاطر كبيرة، وخصوصاً مسألة ضمان الاستدامة طويلة الأجل مع تلبية الاحتياجات الفوريّة للتنمية الاقتصادية وإنتاج الغذاء.

والضغوط البيئية الفريدة في الشرق الأوسط تفرض قيوداً عدّة على أساليب الزراعة التقليدية. فالدول مثل الإمارات العربية المتحدة، التي تستورد ما يصل إلى 90% من استهلاكها من المنتجات الغذائية، تواجه مواطن ضعف متصاعدة مع تزايد تقلّبات سلاسل التوريد العالمية. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو” كيف يمكن للمنطقة تلبية احتياجاتها من الأمن الغذائي من دون استنزاف أنظمتها البيئية الهشّة؟

يكمن الجواب في الابتكار، والتعاون، والالتزام بالاستدامة. فمعالجة هذه التحدّيات تتطلّب أكثر من مجرّد تقدم تقني… إنّها تتطلّب شراكات استراتيجية تجمع بين الخبرة العالمية والمعرفة المحلية. وشراكة باير مع “سلال”، شركة أبوظبي الرائدة في مجال تقنيات الأغذية والزراعة، تُجسّد هذا النهج التعاوني، إذ نعمل معاً على تطبيق حلول مبتكرة وواقعيّة مصمّمة خصيصاً لتلبية احتياجات المنطقة، ما من شأنه وضع نموذج للزراعة المستدامة في المناخات القاحلة.

ومن المبادرات الأساسية لهذه الشراكة برنامج بناء القدرات (BayG.A.P.)، الذي يُمكّن المزارعين والمهندسين الزراعيين المحليّين من اكتساب المهارات والمعارف اللازمة لتبنّي ممارسات مستدامة. ويعتمد البرنامج على نموذج “تدريب المدرّبين”: حيث يجري تدريب المهندسين الزراعيين ومديري المزارع أولاً، ثم يقومون بتوسيع خبراتهم لتشمل أكثر من 300 مزارع ضمن شبكة “سلال”. ومن خلال تزويد المزارعين بهذه الأدوات، لا يقتصر البرنامج على تعزيز الإنتاجية فحسب، بل يُقلًل أيضاً من البصمة البيئيّة للزراعة في الإمارات العربية المتحدة.

ومن الجوانب الرئيسية الأخرى للتعاون إجراء تجارب شاملة لبذور الخضروات. وتشمل هذه التجارب اختبار أكثر من 40 نوعاً من الطماطم والخيار والشمّام ومحاصيل أخرى في الحقول المفتوحة والبيوت البلاستيكية المزوّدة بمستوى متوسط من التقنيات. والهدف هو تحديد أنواع المحاصيل التي تزدهر في ظل الظروف الصحراوية في دولة الإمارات، التي تتميز بالحرارة الشديدة والرطوبة العالية. ومن خلال تقييم عوامل مثل قدرة المحصول على التحمّل والجودة ومدّة الصلاحية، تهدف هذه التجارب إلى تحسين الغلال وتقليل خسائر ما بعد الحصاد، ما يساهم في نظام غذائي أكثر مرونة وكفاءة.

ويمكن للذكاء الاصطناعي والأدوات القائمة على البيانات أن تساعد في مواجهة تحدّيات شحّ المياه للمزارعين. وتستفيد باير من التقنيات الرقمية لإحداث ثورة في إدارة المزارع، ما يدعم تحسين استخدام المياه والأسمدة وإجراءات مكافحة الآفات. وتُمكّن تقنيات الزراعة الدقيقة المزارعين من اتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على بيانات في الوقت الفعلي، ما يحسّن الإنتاجية مع تقليل الأثر البيئي. فعلى سبيل المثال، يمكن لأجهزة استشعار “إنترنت الأشياء”، إلى جانب الأنظمة الاستشارية للذكاء الاصطناعي، التنبؤ بتفشي الآفات، أو التوصية بجداول الري المثلى، ما يضمن استخدام الموارد بكفاءة. وتتوافق هذه الجهود بشكل وثيق مع رسالة باير العالمية المتمثلة في “الصحة للجميع، لا للجوع”. ومن خلال دمج الاستدامة في جميع عملياتها، تُعالج باير التحدّي المزدوج المتمثل في إطعام عدد متزايد من السكان مع مكافحة التغيّر المناخي.

وبناءً على ذلك، يعتمد مستقبل الزراعة في الشرق الأوسط على الابتكار المستمر، والسياسات الداعمة، والتعاون الإقليمي المكثف. وتُوفّر الممارسات الزراعية المتجدّدة، مثل الزراعة من دون حراثة أو بحراثة منخفضة، واستصلاح التربة، إمكانات كبيرة لتحسين صحة التربة وعزل الكربون. كما أنّ توسيع نطاق التقنيات الموفّرة للمياه، مثل الري بالتنقيط، وأنظمة الري الرقمية، والزراعة في البيوت الزجاجية عالية التقنية، سيعزّز قدرة المنطقة على إنتاج الغذاء بشكل مستدام.

إضافةً إلى ذلك، فإنّ للدروس المستفادة من هذا التعاون آثاراً تتجاوز بكثير حدود دولة الإمارات.  على الرغم من أن التحديات التي تواجه الزراعة في الشرق الأوسط كبيرة، إلا أنها ليست مستحيلة. فقد حان الاوان لبدء العمل و اتخاذ الاجراءات المناسبه الآن.

في اليوم العالمي للبيئة، دعونا نلتزم باتخاذ إجراءات جريئة… يجب على الحكومات والمؤسسات الخاصة ومعاهد البحث العمل معاً لتسريع وتيرة الابتكار، وتوسيع نطاق الممارسات المستدامة، وتمكين المزارعين بالأدوات التي يحتاجونها للنجاح.

معاً يمكننا تحويل القطاع الزراعي في الشرق الأوسط إلى نموذج عالمي للمرونة والنمو… نموذج يزدهر بالتناغم مع الطبيعة ويشكّل بارقة أمل للمناطق التي تواجه تحدّيات مماثلة.

بقلم فيليب أندرياس شميدت، مدير الشؤون العامة والعلوم والاستدامة في باير الشرق الأوسط

You may also like